
المؤسسة الصهيونية: التهويد يقتضي تفكيك مجتمع "البدو العرب" في النقب
تدرك المؤسسة الصهيونية في سعيها الدؤوب لتدمير المجتمع الفلسطيني البدوي في ديرة بئر السبع "النقب" أن هذا التدمير والتفكيك هو المدخل الرئيسي والأهم لاستكمال عملية التهويد والغزو الديمغرافي والاستيلاء على الأرض وزرع المستوطنات في تلك المنطقة وتقليل الوجود والسيطرة البدوية على الأرض، وصولا إلى زجهم في معازل يفقدون فيها أساليب وأنماط عيشهم، تماما كما فعل المستوطنون البيض في الغرب الأمريكي، ضد الهنود الحمر، لذلك فالاستعارة التي استخدمها وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان في وصف هذا المجتمع العربي ليست غريبة ولا خارج السياق، حيث أن ما قاله عن الجنوب، وهو يقصد المجتمع البدوي العربي الفلسطيني في ديرة بئر السبع بأنه "غرب متوحش" لا يغادر أبدا قاموس مصطلحات الاستعمار التوسعي الاستيطاني، وتصنيفاته، التي أباحت وشرعنت طرد وإبادة الشعوب الأصلية لمصلحة التوسع غربا حيث التلال الـ"عذراء" التي تنتظر الفاتحين البيض.
لم ينس جلعاد أردان أن يقول أنه يتحدث عن مشاعره، بل تعمد ذلك لأنه في الحقيقة يعبر عن موقف دولته تجاه أهل بئر السبع، والرغبة الحثيثة والمتنامية في استهداف حياتهم وأسلوب عيشهم، وطردهم لإحلال البنى الاستعمارية المستعارة من مستوطنات غريبة وهجينة.
يلاحظ يوسي دهان رئيس مركز أدفا للبحوث، أن التحريض والعنصرية ضد "الأقلية العربية" تحولت إلى سلعة ساخنة ين السياسيين اليمينيين في السنوات الأخيرة، ولا تقتصر على صغار السياسيين من المتطرفين الساعين إلى كسب شعبوي يفيد في الانتخابات، بل تبدأ من عند رئيس الوزراء، الذي لم يتردد في الانتخابات الماضية من القول أن "العرب جاؤوا بكميات ضخمة إلى صناديق الاقتراع" لكي يحرض ناخبيه الكسالى على الذهاب للتصويت، لمعادلة صوت "العرب المتوحشين الذين يريدون السيطرة على الديمقراطية الإسرائيلية ثم إلغائها" من جهته كان ليبرمان لا يتوقف عن اقتراح فكرته المسمومة بتحويل وادي عارة إلى السلطة الفلسطينية، وهو يعرف أنه سيحصل على أرض في الضفة وهكذا "عرب أقل وأرض يهودية أكثر" .
عضو كنيست بطموحات سياسية كبيرة مثل بيزائيل سموتريتش اقترح سابقا فصل قسم الولادة في المستشفيات ليعزل النساء العربيات عن اليهوديات، وينقل دهان أن هؤلاء الساسة الصهاينة الذين يغازلون قاعدتهم الشعبية يبثون روح الظلام والعنصرية، ووفقا لمؤسسة بيرل كاتزنيلسون في "تقرير الكراهية" ، الذي تصدره سنويا ويراقب العنصرية في الخطاب العام على الإنترنت ، فإنه في عام 2015 ، تم توجيه 35٪ من الخطاب العنصري إلى العرب.
جلعاد أردان كان استغل فيديو مجتزأ يظهر شبانا بدوا يحتفلون في الشارع في سيارتهم ويطلقون النار في الهواء، ما أتاح له فرصة تعميم تصنيفه المتعالي على الجميع، هو نفسه الوزير الذي زعم أن الشهيد يعقوب أبو القيعان ينوي شن هجوم ما يبرر استهدافه وقتله وهي ادعاءات ثبت أن لا صحة لها رغم أن المؤسسة الشرطية الصهيونية تواصل التمسك بها.
وصف أردان الفلسطينيين في ديرة بئر السبع "البدو" بالتالي "أكثر من ربع مليون شخص ، كثير منهم غير مرتبط بمؤسسات الدولة ، ولدوا في عائلات متعددة الزوجات. ليس لدى العشرات من الأطفال ما يخسرونه ، والشرطة لا تردعهم لأنهم لا يخشون الذهاب إلى السجن ".
في ظل هذا الوصف فإن أردان يجد من الطبيعي أن القمع هو الوسيلة الوحيدة للسيطرة على السكان في "غربه المتوحش الذي يجب إخضاعه". وهذا التوصيف أخذ مساره الطبيعي في ظل التغطية الإعلامية الصهيونية الموسعة لحادث عادي يحدث في أي مكان وأي شارع نتيجة عبث بعض الشبان، ولكن أردان والإعلام الصهيوني وجدوا فيه فرصة للإسقاط على العرب ومجتمعهم ونمط عيشهم، والحدث أصلا عن "الغرب المتوحش" يحيل إلى ضرورة تفكيك هذا المجتمع وهو ما تسعى إليه المؤسسة الصهيونية منذ سنوات لإكمال تهميد النقب.
يدرك أردان أن ما يقوله ليس صحيحا، وهو يتناقض مع تقرير لجنة غولدبيرغ ، التي يرأسها قاضي المحكمة العليا اليعازر غولدبيرغ وتقرير مراقب الدولة قبل عامين. ومع ذلك ، فإن اتباع هذا الخط لا يخدم أردان سياسيا بين مؤيديه المتعطشين "للدم" و"إخضاع العرب" ولن يساعده في الانتخابات التمهيدية المقبلة في حزبه. وهذا حال جميع السياسيين الصهاينة الآن حيث بالفعل كراهية الفلسطينيين وقمعهم هي السلعة الرائجة أكثر في سوق الترويج الانتخابي.