
اعجاب كبير بالفاشية
يوآف ابروموفيتش/ هآرتس - مقال -27/8/2012
يطرأ في السنين الاخيرة على المجتمع الاسرائيلي تغيير مُحمس مؤثر عاطفيا، حينما أخذ مركز النشاط السياسي المدني يميل الى اتجاه جديد هو القواعد الاجتماعية الكثيرة التي تعرضها شبكة الانترنت وعلى رأسها شبكة التواصل الاجتماعي. في شبكة التواصل الاجتماعي يجري في مجموعات وفي صفحات كثيرة نقاش سياسي يقظ دائم يُغني ويدفع الى الأمام بمشاركة المواطنين في المسؤولية عن دولتهم. ومع ذلك ينجم مع هذه الحركة اليقظة المباركة ظواهر قبيحة جدا بل انها مخيفة تثير الرعب احيانا.
نُشر على صفحة من صفحات التواصل الاجتماعي قبل زمن قصير، وهي مشايعة لليمين المتطرف، صورة تُبين جنود الجيش الاسرائيلي يُمسكون ببنتين فلسطينيتين باكيتين في حين قيدت أمهما الى الاعتقال. وقد عرّف نشطاء الصفحة البنتين خطأ بأنهما نشيطتان من اليسار وألصقوا بالصورة كتابة "جنود الجيش الاسرائيلي أوقفوا نشاط اليسار المتطرف في النبي صالح. أعطوا الجنود بيغ لايك!". تحت هذه الصورة، في صفحة معلنة مفتوحة لكل متصفح يظهر فيها الى جانب كل رد الاسم الكامل لصاحب الرد وصورته، نُشر أكثر من 100 رد تشهيري من بينها اللآليء التالية ونُذكركم بأنها موجهة على بنتين في الحادية عشرة والثالثة عشرة (!):
• "اغتصاب، رصاصة في الرأس".
• "أنصتوا لي آخر الامر، اعتقلوا زانيات المخربين. أنظروا كيف يبكين. خسروا جماع كل القرية. يالله مسكينات، ههههه".
• "أنظروا كيف يبكين وكأنهم أدخلوا عصا مكنسة في مؤخراتهن من غير فازلين".
• "أين الهراوات أيها الجنود؟ ماذا يحدث لكم، إضربوهن بأرجلكم بقوة كي لا يأتي الخبيثات الى هناك بعد...".
• "لتمتن، آمين أيتها الكلبات القذرات من عِرق عمليق".
• "إنكسر القلب حقا للبكاء المزيف للزانيات الصغيرات، إدفعوهن الى المقصلة!!!".
• "آمل ان يصيبهن السرطان في اعضائهن الجنسية".
• "أيبكين؟ قولا شكرا لأنهم لم يضعوا رصاصة في جبهتيكما يا زانيتان!!".
ان الأمم العنصرية والقومية والفاشية لا تُخلق من العدم. ويعلم المؤرخون بحكمة متأخرة دائما بعد وقوع الفعل ان يشيروا الى أوكار الكراهية التي ارتبط في ظلها أفراد آثمون لينشروا الكلام الآثم والكراهية وتحولوا الى مئات ثم الى عشرات الآلاف الى ان ظهروا في نهاية الامر واحتلوا بالسم والعنف المجتمعات التي نشأوا فيها في حين كان المواطنون الباحثون عن السلام يقفون ناحية صامتين خوفا.
ان المثال الأشهر هو أقبية الجعة في ميونيخ حيث اجتمع أوائل الحزب النازي وجذبوا اليهم الجمهور بخطب معادية للسامية. لم يكن اولئك مثقفين أو ساسة اجتمعوا لأول مرة في أقبية الجعة المعتمة بل كانوا مواطنين المانيين بسطاء وجدوا مكانا استطاعوا فيه ان يُنموا فيه بصورة مشتركة غريزة الشر يعرفون كيف يخنقونها في الثقافات السليمة. ولا يصعب ان نتخيل تصريحات تشبه تلك التي تظهر أعلاه، وطرف تنطف سُما سُمعت مع شرب الجعة موجهة على اليهود. ومن المؤسف جدا ان جمهورية فايمر الالمانية الديمقراطية لم تستطع الوقوف في صلابة في مواجهة مراكز العنصرية والكراهية وان تقضي عليها وهي في مهدها، وانتهت الى ان ابتلعتها.
ان أحد دروس النازية الالمانية في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية هو واجب الدول الديمقراطية ألا ترقد وألا تنام وان تبقى في نضال دائم لخنق أوكار الأفاعي هذه – ويجب على دولة اسرائيل التي أُنشئت من الأنقاض التي ينبعث منها دخان يهود اوروبا ان تفعل ذلك بقوة أكبر. ان المحرقة لم تهب لنا درس الصمود الدائم في الحراسة من معاداة السامية والكراهية من خارجنا بل وهبت لنا الصمود الدائم في الحراسة من اجل ألا تنشأ ظواهر فاشية وقومية وعنصرية بين ظهرانينا. عرفت الكنيست الحادية عشرة كيف تفعل ذلك بصورة حسنة بتعديلها القانون الأساس: الكنيست في سنة 1985 بصورة لا تُمكّن احزابا عنصرية من المنافسة في الانتخابات، وهكذا منعت حزب كاخ العنصري لمئير كهانا ان ينافس في الانتخابات التي تلتها. ويُتذكر في هذا الشأن بصورة مميزة كلام عضو الكنيست من الليكود ميخائيل ايتان الذي قارن بين مواد حزب كاخ العنصري ومواد قانون نيرنبرغ النازية، مادة مادة.
ان الصراع مع الفلسطينيين لا يُشابه ولا يمكن ان يقارن على أية حال من الاحوال بمعاملة الالمان النازيين للمواطنين اليهود الذين عاشوا بين أظهرهم، في اخلاص كامل لوطنهم ممن لم يهاجموا قط مواطنا المانيا هجمات ارهابية أو بأية صورة اخرى. ومع ذلك فان الردود المسمومة المتطرفة كالتي أوردناها آنفا والموجهة على بنات صغيرات باكيات في وقت تُعتقل فيه أمهن (ولا يهم سبب الاعتقال أو ظروف الحال أصحاب الردود ألبتة) هي نتاج كراهية عنصرية خالصة. ومع ذلك فانها ليست أمرا شاذا في الشبكة الاجتماعية الاسرائيلية.
تنشأ تحت أنف مجتمع وشرطة غير مكترثين مئات من الصفحات العنصرية والقومية والعنيفة الهوجاء يجذب بعضها عشرات آلاف المؤيدين. وإن ردودا عنصرية وعنيفة تهيج في كومة القمامة البشرية هذه وتجر اليها أشرارا آخرين يجدون في هذه الصفحات صدى لشهواتهم الشديدة الظلمة، تحت غطاء عقائدي مخيف. فاذا كانت دولة اسرائيل قد نشأت من رماد المحرقة واذا كانت تلتزم بدروس تلك المحرقة الفظيعة، فعليها ان تنظم نفسها وان تقضي على أوكار الكراهية الفوارة هذه وهي ما تزال في مهدها. ان حرية التعبير لا تتحمل كل شيء، ويجب على شرطة اسرائيل ان تعمل على التحقيق والمحاكمة للمحرضين البارزين بحسب قانون منع التحريض. ولا يصعب ان تجدهم لأن أسماءهم وصورهم تظهر في افتخار الى جانب أقوالهم.