الثلاثاء 06-05-2025

استراتيجيا الجيش الإسرائيلي الجديدة ومسؤولية القيادة السياسية

×

رسالة الخطأ

شموئيل إڤِن - باحث في معهد دراسات الأمن القومي

استراتيجيا الجيش الإسرائيلي الجديدة ومسؤولية القيادة السياسية
شموئيل إڤِن - باحث في معهد دراسات الأمن القومي
معهد دراسات الأمن القومي، "مباط عال"، عدد 2015/8/19 ،736
• نشر غادي أيزنكوت رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي
في 13 آب/أغسطس 2015 وثيقة عنوانها: "استراتيجية الجيش
الإسرائيلي" عرض فيها خيارات الجيش العملانيةومستوى الأمن
الذي يمكن أن توفره للبلاد. إنهاوثيقة معدة بقدر عال من المهنية
وغير مسبوقة في مستوى الكشف والتفصيل،وتنم عن تفكير منظم
ومعمق من قبل الجيش. ويعكس نشرها مدى حساسيةرئيس الأركان
تجاهرأي الجمهور، انطلاقاً من أن الجيش الإسرائيلي هو جيش
الشعب،ونظراً لما لآراء الجمهور من تأثير كبير على قرارات
السياسيين المتعلقة بالأمن والميزانية.
• إن الرسالة الرئيسية للوثيقة هي أن القيادة السياسية مسؤولة عن
تحديد أهداف ومهمات المؤسسة العسكرية،فضلاً عن تحديد مقيدات
استخدام القوة،ويتوجب عليها أن تمكّن رئيس الأركان من بناء
القدرات المناسبة،ومن قيادة الجيش في الأوقات العاديةوفي حالات
الطوارئ وإبان الحرب. وعليها بالتالي أن تزوده بالموارد اللازمة.
وبالنسبة للتوقعات المنتظرة من الجيش الإسرائيلي،فعلى الجمهور
والقيادة السياسية أن يكوناواثقين من أن الجيش الإسرائيلي قادر
على شن حملة عسكرية محدودة أو حرب في أي يوم يؤمرفيه بالقيام
بذلك. وينطوي كل خيار عملاني على مخاطروفرصة معينة،وإذا أُمر
الجيش الإسرائيلي بالقيام بتنفيذ عملية محدودة،فإن النصر التام لا
يمكن أن يكون متوقعاً.
الحاجة إلى هكذا وثيقة وإلى إطلاع الجمهور عليها
• يدور النقاش العام بشأن ميزانية الأمن/الدفاع، وتقارير لجنة
[الجنرال احتياط يوحنان] "لوكر" ومراقب حسابات الدولة، حول كلفة
الأمن من دون النظر إلى جودة المنتج، أي الدفاع الذي يمكن أن يوفره
الجيش الإسرائيلي. وفي الوقت نفسه لم تكن خلال العقد الأخير نتائج
حرب لبنان الثانية [2006] والمواجهات العنيفة مع حركة "حماس"
في قطاع غزة، بمستوى تطلعات الجمهوروالجيش الإسرائيلي. ويبدو
أن هذه النتائج بالإضافة إلى النقد الحاد لحجم الإنفاق الأمني/
الدفاعي، ألحقا ضرراً ملحوظاً بصورة الجيش في اجملتمع الإسرائيلي.
• وقد جاءت الوثيقة الاستراتيجية لتوفر ما أغفله النقاش ولتطلع
الجمهور الواسع ومسؤولين حكوميين فضلاً عن مسؤولين منتخبين
غير مطلعين على وثائق سرية، على ماهية الإنتاج الأمني/الدفاعي
الذي يسعى الجيش الإسرائيلي الى تحقيقه في مقابل ميزانية
الأمن/الدفاع،وعلى ما هو متوقع أن يحققه الجيش من خلال قدراته.
كما تحاول الوثيقة توضيح مدى صلاحيات الجيش الإسرائيلي
وطبيعة علاقاته مع القيادة السياسية.

العناصر الرئيسية لاستراتيجيا الجيش الإسرائيلي
• تعرض مقدمة الوثيقة: "التغييرات المطلوبة من الجيش الإسرائيلي في
ظل التحديات المستقبليةوخصائص العدوالمستجدة. وتشمل هذه
التغييرات تعزيزوتطوير الفاعلية في المناورة البرية [الهجومية]،
وتنويع القدرات العملانية في الحملات العسكرية بين الحروب،وتعزيز
القدرات في مجال السايبر،والمحافظة على التفوق الواضح في
مجالات الاستخبارات وسلاح الجووسلاح البحر..وسيشكل التصور
المصاغ في هذه الوثيقة منطلقاً لعملية يقودها الجيش الإسرائيلي
بموجب خطة جدعون المتعددة السنوات،ودليلاً إرشادياً لإدارةقواته
وبنائها".
• وتركز هذه الوثيقة على استراتيجيا الجيش الإسرائيلي في مواجهة
تنظيمات إسلاميةوعلى رأسها حزب اللهوحركة "حماس". وفي هذا
السياق، هناك ثلاثة حالات عسكرية ممكنة، معروضة على القيادة
السياسية:
أ) حالة اعتيادية - صراع أمني محدودوروتيني،و"حملة
عسكرية بين الحروب".
ب) حالة طارئة - "حملات عسكريةوعمليات محدودة لا ترقى إلى
مستوى حرب شاملة"، تهدف إلى استعادة الوضع المعتاد
وترميم الردع "من دون السعي إلى إحداث تغيير استراتيجي
فوري".
ج) حالة حرب - عملية استخدام للقوة بمستوى عال من الكثافة،
تتطلب موارد من أجل تحقيق انتصار حاسم بناء على الشروط
التي تمليها القيادة السياسية.
• يبدوأن طريقة العمل الرئيسية في حالة طارئة هي حملة [تعتمد على]
قوة نارية [شديدة]وتكون العملية البريةفيها محدودة لجهة النطاق
وعمق التوغل، أسوة بحرب لبنان الثانيةوعملية "الجرف الصامد". أما
الحرب،فقد تنشب مباشرة، أوقد تعقب حملة عسكرية محدودة
تتخللها على الأرجح عمليات برية هجومية - على الجبهة الأمامية
وفي العمق - "تركز على مراكز ثقل هامة مع السعي للوصول بأسرع
ما يمكن إلى خطوط إنهاء القتال. ولدى الوصول إلى خطوط إنهاء
القتال، تعمل القوات على استقرار خطوط الدفاع وعلى تطهير
المنطقة". وهذا معناه الاستيلاء على قطاع غزة في حالة حرب ضد
حركة "حماس"، أو على أراض في العمق اللبناني في حالة حرب ضد
حزب الله. وسيكون بمستطاع الجيش الإسرائيلي شن هجمات من هذا
القبيل على جبهتين في آن معاً.
العلاقة بين القيادتين العسكرية والسياسية
• بحسب ما جاء في الوثيقة،فإن وظيفة القيادة السياسية هي تحديد
الأهداف والوسائل ومقيدات الجيش الإسرائيلي،في حين أن دور رئيس
الأركان هو أن ينفذ، أي أن يبني الجيش الإسرائيلي ويشغلهوفقاً لذلك.
وتعطي الوثيقة أهمية بالغة لدوررئيس الأركان بوصفه "مرتبة
القيـادة العليـا" في الجيـش (بموجب "القانـون الأسـاسي [قانون
أساس] - الجيش"، الصادر عام 1976). وبحسب هذه الوثيقة،فإن
رئيس الأركان هو "قائد المعركة الوحيد في الجيش الإسرائيلي،وهو
يقود، من خلال هيئة الأركان العامة، جميع العمليات التي ينفذها
الجيش الإسرائيلي.. إن المسؤولية عن هيئة الأركان العامة لا يمكن
تفويضها أو تحويلها.. كل آمر خاضع لسلطة آمر آخر في كل نقطة
زمنية. وتعطى الأوامروفقاً لتسلسل القيادة". وهذا معناه أن الجيش
سوف يداردائماًوبشكل وثيق من قبل رئيس الأركان، من خلال هيئة
الأركان العامة (بوصفها مجلس القيادة الأعلى في الجيش)،وليس من
خلال أي مجلس قيادة آخر مثلما حدث في حرب لبنان الأولى
[1982] على سبيل المثال، التي أدارتهاقيادة المنطقة الشمالية
بتدخل كبير من قبل وزير الدفاع شارون.
• وتشددالوثيقة على واجب القيادة السياسية تجاه الجيش الإسرائيلي:
"عندما تدعو الضرورة إلى تفعيل الجيش، يتوجب على القيادة
السياسية أن تصوغ الأوامر المعطاة إلى الجيش على هذا النحو: أ) ما
هـي الأهـداف،ومـا هـي الأوضـاع النهائيـة الاستراتيـجية المطـلوبـة؛
ب) ما هودور الجيش،وكيف يتفق هذا الدور مع تحقيق هذه الأهداف؛
ت) ما هي مقيدات استخدام القوة العسكرية؛ ث) تعريف جهودإضافية
(دبلوماسية، اقتصادية، إعلامية،واجتماعية) ودور الجيش
الإسرائيلي في سياقاتها". وتلحظ الوثيقة أن توجيهات القيادة
السياسية تتطلب توضيحاًوحواراً منتظماً بين رئيس الأركان
والقيادة السياسية.
• بيد أنه يُطرح هنا السؤال: لماذا، من أجل صياغة التعليمات، من
الضروري انتظار اللحظة التي يبدأ فيها تفعيل الجيش. في معظم
الحالات، الردالمطلوب من الجيش الإسرائيلي معروف مسبقاً، على
سبيل المثال في حال هجوم إرهابي أوإطلاق صواريخ أو خطف أو
حصول العدو على أسلحة استثنائية،وما إلى ذلك. وبالتالي، نوصى
بأن لا تنتظر القيادة السياسيةوقوع هجوم مثلما حدث قبيل حرب
لبنان الثانية أوالأحداث التي قادت إلى شن عملية "الجرف الصامد"،
وبأن تحدد منذ الآن أدوارومهام وأهداف الجيش في سياقات
مستقبلية متوقعة. وعندما تحين لحظة الحقيقة، تأخذ القيادة
السياسية علماً بذلك،وتكون جاهزة لأن تختارواحداً من بين ثلاثة
أوضاع عملانية أساسية:
أ) ضبط النفس أورداحتوائي معتدل.
ب) حملة عسكرية محدودة مع إدراك أنهاقد تتصاعد إلى حملة
عسكرية كبرى مسرحها محدودالنطاق جغرافياً، أو حتى إلى
حرب شاملة.
ج) حملة عسكرية كبرى مسرحها محدودالنطاق جغرافياً، مع
إدراك أنهاقد تتصاعد إلى حرب شاملة على جبهات متعددة.
الأمور الغائبة عن الوثيقة
• لا تقدم الوثيقة تفاصيل كافية حول المخاطروالتهديدات والتحديات
التي يواجهها الجيش الإسرائيلي. هناك إشارات صريحةولكن
محدودة إلى إيران. والأمر نفسه ينسحب على اخملاطر الكامنة في
الوضع في سورية. وينبغي إضافة خطر اندلاع انتفاضة ثالثة،ودور
الجيش الإسرائيلي في المحافظة على سيطرة إسرائيل على الضفة
الغربية من أجل منح القيادة السياسية حرية الحركة للتوصل إلى
تسوية سياسية بالشروط التي تريدها. كما أن اخملاطر المتصلة بتغير
محتمل لنظام الحكم في مصر أوالأردن، غابت عن الاستراتيجيا. وقد
تعزى بعض الثغرات في هذه الوثيقة العلنية إلى ضرورة مراعاة
اعتبارات دبلوماسية وأمنية.
• تشرح الوثيقة كيف أنه على الرغم من السيناريو الأساس الذي يركز
على نزاعات مع تنظيمات من طراز حزب اللهوحركة حماس،و"أن
الحل - أي مقاربات استخدام القوةوالقدرات التي سيجري تطويرها
خلال عملية بناء القوات - هو على العموم، ملائم أيضاً لحملات
عسكرية ضد جيوش ودول". لكن نوصى بأن يمتنع الجيش عن توسيع
هذه الاستراتيجيا لتشمل سيناريوات مختلفة إلى كل هذا الحد،وأن
يبلور استراتيجيا عملانية مناسبة لأوضاع لا تتفق مع السيناريو
الأساس.
• أما بالنسبة لتكامل الجهود،فيغيب عن الوثيقة إشارةذات شأن إلى
شركاء الجيش الإسرائيلي على الجبهة الأمنية - جهازي "الشاباك"
و"الموساد" والشرطة الإسرائيلية. إن تكامل المؤسسات الأمنية
والعسكرية بمجملها،وليس الجيش الإسرائيلي فقط، أمر ضروري.
• أما بالنسبة إلى المواردفلا تتطرق الوثيقة بشكل لافت إلى ميزانية
الجيش والرأسمال البشري،ومن ضمن ذلك نظام جيش الاحتياط
ً مستقبلا.
• وفي الختام، تنص الوثيقة على أن "استراتيجيا الجيش الإسرائيلي هي
البنية التحتية النظرية والعملية لجميع الوثائق العسكرية الأساسية"
غير أن إسباغ مكانة رسمية وعملية كهذه على الوثيقة يتطلب الموافقة
الصريحةوالعلنية من قبل وزير الدفاع والحكومة. ونوصى بالتالي
بأن ينظر إلى هذه الوثيقة على أنها مقترح مشروع استراتيجيا مقدم
من الجيش الإسرائيلي، إلى حين استكمال مسارات الموافقة عليها.

انشر المقال على: